المعارض المستدامة- رؤية السعودية 2030 نحو مستقبل أخضر

المؤلف: سلمان بن سهيل العطاوي09.12.2025
المعارض المستدامة- رؤية السعودية 2030 نحو مستقبل أخضر

تشهد أراضي المملكة العربية السعودية تحولاً جذرياً وعصرياً في شتى القطاعات، وذلك في إطار "رؤية 2030" الطموحة، التي تولي اهتماماً بالغاً بالاستدامة وحماية البيئة، وتضعهما في صلب أهدافها الاستراتيجية ومبادراتها التنموية. ومن بين القطاعات الحيوية التي تشهد عملية تحديث وتطوير شاملة بهدف تحقيق أهداف الرؤية، يبرز قطاع المعارض والمؤتمرات، الذي أضحى فيه البُعد البيئي عنصراً محورياً وأساسياً في عمليات التخطيط والتنظيم، وذلك لضمان توافق هذا القطاع مع جهود المملكة في الحفاظ على البيئة ومواردها الطبيعية للأجيال القادمة.

لا يخفى على أحد أن المعارض والمؤتمرات، بحكم طبيعتها، تستهلك كميات كبيرة من الموارد المتنوعة، بدءاً من الطاقة والكهرباء، مروراً بمواد البناء المؤقتة، وصولاً إلى النفايات الصلبة. هذا الاستهلاك المكثف للموارد يمكن أن يخلق آثاراً بيئية سلبية وخيمة، إذا لم يتم التعامل معه بحكمة وكفاءة. ومن هنا، نشأت الحاجة الملحة والضرورية إلى دمج ممارسات الاستدامة البيئية في جميع مراحل تصميم وتنفيذ وإدارة الفعاليات والمعارض والمؤتمرات، وذلك للحد من الآثار السلبية وتعزيز الفوائد البيئية والاقتصادية والاجتماعية.

وتتضمن ممارسات الحفاظ على البيئة في صناعة المعارض والمؤتمرات مجموعة متنوعة من الإجراءات والتدابير الفعالة، من بينها: تقليل الاعتماد على الورق من خلال التحول الرقمي، وذلك بالاعتماد على الدعوات الرقمية والتسجيل الإلكتروني بدلاً من الطباعة التقليدية، واستخدام الشاشات التفاعلية بدلاً من البروشورات والكتيبات الورقية. كما تشمل هذه الممارسات إعادة تدوير النفايات وتقليلها إلى أدنى حد ممكن، وذلك من خلال وضع نقاط مخصصة لجمع وفرز النفايات في مواقع المعارض والمؤتمرات، واستخدام مواد معاد تدويرها في بناء الأجنحة والأكشاك. ولا يقتصر الأمر على ذلك، بل يشمل أيضاً ترشيد استهلاك الطاقة، وذلك من خلال استخدام تقنيات الإضاءة الذكية والموفرة للطاقة (LED)، والاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة في تشغيل المعارض والمؤتمرات، كلما أمكن ذلك.

وتعتبر الصحة الغذائية محوراً بالغ الأهمية في الحفاظ على البيئة، حيث يتم التركيز على استخدام الأطعمة والمشروبات بشكل مستدام وصديق للبيئة، وذلك من خلال تقليل استخدام الأدوات البلاستيكية ذات الاستخدام الواحد، وتوفير خيارات غذائية محلية ومستدامة لتقليل البصمة الكربونية للفعاليات. كما يلعب عنصر التنقل والمواصلات دوراً محورياً وهاماً في تقليل الأثر البيئي، وذلك من خلال توفير حافلات نقل جماعي مريحة للزوار لتقليل الانبعاثات الناتجة عن استخدام السيارات الخاصة، وتشجيع استخدام السيارات الكهربائية وتوفير محطات شحن داخل الموقع. وتتماشى هذه الممارسات البيئية المستدامة بشكل كامل مع أهداف "رؤية السعودية 2030" الطموحة.

تهدف "رؤية 2030" إلى بناء مجتمع حيوي ينعم بالصحة والسعادة، واقتصاد مزدهر ومستدام، ووطن طموح يتطلع إلى المستقبل بثقة وتفاؤل. ومن أبرز مستهدفاتها البيئية التي تسعى إلى تحقيقها:

• رفع نسبة النفايات المعاد تدويرها من 5% حالياً إلى 85% بحلول عام 2030، وذلك من خلال تطوير منظومة متكاملة لإدارة النفايات وإعادة تدويرها.

• خفض الانبعاثات الكربونية بنسبة 50%، وذلك من خلال تعزيز كفاءة استخدام الطاقة، وتنويع مصادر الطاقة، والاستثمار في الطاقة المتجددة.

• زراعة 10 مليارات شجرة ضمن مبادرة "السعودية الخضراء" الطموحة، وذلك لمكافحة التصحر وتحسين جودة الهواء وزيادة المساحات الخضراء في المملكة.

• تحويل المدن السعودية إلى مدن مستدامة بيئياً، وذلك من خلال تطوير البنية التحتية الخضراء، وتعزيز استخدام وسائل النقل المستدامة، وتحسين إدارة الموارد. ويعتبر قطاع المعارض والمؤتمرات أداة تنفيذية فاعلة لتحقيق هذه الأهداف البيئية الطموحة، وذلك من خلال تبني معايير الشراء الأخضر، وتقنيات البناء المؤقت الصديقة للبيئة، وتنظيم فعاليات ذات محتوى توعوي بيئي يساهم في نشر الوعي بأهمية الحفاظ على البيئة.

وينطلق دور الجهات المنظمة والمراكز المتخصصة في قيادة التغيير الإيجابي في هذا القطاع من خلال عدد من المبادرات والخطوات الجادة، ومنها:

- الهيئة العامة للمعارض والمؤتمرات، التي بدأت بربط إصدار تراخيص الفعاليات بوجود خطة استدامة بيئية واضحة ومفصلة، وذلك لضمان التزام جميع الجهات المنظمة بمعايير الاستدامة البيئية.

- مراكز المعارض الكبرى، مثل مركز الرياض الدولي للمؤتمرات والمعارض، التي بدأت بتطبيق أنظمة متطورة لإدارة الطاقة وتقنيات مبتكرة لإعادة استخدام المنصات والمواد، وذلك لتقليل الهدر وتوفير الموارد.

- شركات التنظيم، التي باتت مطالبة بتقديم حلول صديقة للبيئة في عروضها، كجزء أساسي من مسؤوليتها الاجتماعية والاقتصادية، وذلك لتلبية تطلعات العملاء والمساهمة في تحقيق أهداف التنمية المستدامة.

وختاماً، يمكن القول بأن الحفاظ على البيئة في قطاع المعارض والمؤتمرات لم يعد مجرد خيار، بل أصبح متطلباً وطنياً ملحاً وضرورياً، يرتبط ارتباطاً وثيقاً بمستقبل الأجيال القادمة ومكانة المملكة العربية السعودية على الخريطة العالمية. ومع تسارع وتيرة مشاريع "نيوم" و"القدية" و"الرياض الخضراء"، فإن دمج الاستدامة البيئية في كل فعالية تُنظم على أرض المملكة هو تأكيد قاطع على أن التحول الاقتصادي المنشود لا ينفصل البتة عن تحقيق التوازن البيئي المنشود.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة